دراسة شخصيات الكتاب المقدس
يستمتع الجميع، صغاراً وكباراً، بقصص الكتاب المقدس. لكننا نستطيع، بالإضافة إلى المتعة، أن نتعلم الكثير من هذه القصص. القصة الجيدة يمكن أن نتذكرها جيداً. وعيسى نفسه عرف قيمة القصص واستخدمها لتوضيح الحقائق الروحية العميقة.
شكراً لله الذي اختار أن يسجل لنا الكثير من الدروس الكتابية من خلال القصص! شخصيات هذه القصص هم أشخاص حقيقيون عاشوا على الأرض قبل زمن طويل. لقد واجهوا الكثير من المشاكل المشابهة لما نواجهه نحن اليوم. أشخاص كموسى وداود وبطرس أخطأوا هم أيضاً وتعلموا من أخطائهم. واليوم نستطيع أن نقرأ عن ما حدث معهم وننتفع بتجاربهم. كما يمكننا أن نقرأ عن انتصاراتهم فنتقوى بسبب إيمانهم.
في هذا الدرسة
٪ الهدف من دراسة شخصيات الكتاب المقدس.
٪ كيفية دراسة إحدى شخصيات الكتاب المقدس.
٪ قصة يعقوب.
يساعدك هذا الدرس علىة
٪ توضيح أهمية دراسة شخصيات الكتاب المقدس في حياتك.
٪ ممارسة دراسة لشخصية يعقوب كنموذج لدراسات مشابهة.
الهدف الأول: شرح أهمية دراسة شخصيات الكتاب المقدس.
يذكر الكتاب المقدس ما يزيد عن 2900 شخصاً مختلفاً عبر صفحاته. وبينما يكتفي الكتاب المقدس بذكر أسماء بعضهم، فإنه يصف بعضهم الآخر بالتفصيل. هذه المعلومات التي يقدمها الكتاب المقدس عن بعض الشخصيات هي المادة الخام التي نستخدمها لدراسة شخصية من تلك الشخصيات. في دراسة الشخصية، ننظر إلى تاريخ حياة شخصٍ ما. نرى من هو وماذا فعل وكيف كان.
هذه الطريقة في الدراسة فعّالةٌ جداً في تعليم الأطفال. إنهم يصغون باهتمام لقصة الطفل موسى الذي وضعته أمه في سَفَطِ البردي، أو داود وهو يتحدى جليات الجبار أو راعوث وهي تجمع وراء الحصادين، أو قصة الطفل عيسى في المذود. يتقرب الأطفال بسهولة من أصدقائهم المذكورة قصصهم في الكتاب المقدس. وهم بذلك يتعلمون دروساً هامة عن إرادة الله لحياتهم.
الكبار أيضاً تهمهم شخصيات الكتاب المقدس، خاصة أولئك الذين عانوا من ضعفات وشكوك؛ ومن منا لم يعانِ من ذلك؟! فرغم أن بعض شخصيات الكتاب المقدس تبدو كاملة، إلا أنهم لم يكونوا كذلك حقاً! يوضح الرسول ذلك في
يعقوب 5: 17 عندما يقول: كَانَ إِلْيَاسُ إِنْسَانًا عَادِيًّا مِثْلَنَا، وهكذا ستكون صلواتنا فعَّالة بقدر ما كانت صلوات إلياس، إن كنا نطلب بإيمان.
أما داود فدعي رجلاً حسب قلب الله. مع ذلك، اقترف يوماً من الأيام خطايا الكذب والزنى والقتل! لا يعنى ذلك أن الله كان راضياً بخطيئته، لكن داود كان رجلاً حسب قلب الله لأنه تاب عن خطاياه، فغفر له الله. لقد تعلم من أخطائه كيف يخضع لله.
نتعلم من حياة داود أن لا نرتكب الخطايا التي ارتكبها. فسقوطه يسطع أمامنا كإشارة الإنذار في ليلة مظلمة، فيحذرنا ويحثنا على الصلاة لكي لا ندخل في تجربة. والكتاب المقدس نفسه يؤكد على أهمية دراسة حياة شخصياته: كُلُّ هَذَا حَصَلَ لَهُمْ لِيَكُونَ عِبْرَةً، وَكُتِبَ لِإِنْذَارِنَا نَحْنُ الَّذِينَ نَعِيشُ فِي آخِرِ الزَّمَنِ. 1كورنتوس 11:10
يستطيع آباؤنا وأجدادنا أن يمدّونا بالنصح والإرشاد. فهم يعرفون عن مشاكل الحياة ويعرفون حقائق معينة عن الطقس والزراعة والحيوانات والعمل والتجارة والناس. من الأسهل علينا دائماً أن نتعلم منهم على أن نتعلم من الكتب. لذلك لم يكتب الكتاب المقدس كمجرَّد مجموعة من القوانين، بل إن معظم مادته هي من اختبارات أشخاص حقيقيين عمل الله في حياتهم.
نحن نقرأ وندرس هذه الاختبارات الشخصية لنحصل على المعرفة والمعونة في حياتنا الروحية. في دراستنا لشخصية يعقوب، لاحظ ما أكثر ما ستتعلمه من حقائق وما ستجنيه من معونةٍ عملية.
كيفية دراسة إحدى شخصيات الكتاب المقدس
الهدف الثاني: شرح كيفية دراسة حياة إحدى شخصيات الكتاب المقدس.
بعد أن تختار الشخصية التي تريد دراستها، ضع قائمة بجميع الشواهد الكتابية التي تجدها مرتبطة بذلك الشخص. تشبه هذه الخطوة ما عملناه في الدراسة الموضوعية للكتاب. بعض الدراسات ستكون قصيرة جداً وبعضها طويلة جداً. الملكة إستير مثلاً لا تذكر إلا في كتاب إستير. أما موسى فهو الشخصية البارزة في أربعة كتب كبيرة، وقد أشير إليه أيضاً في 26 كتاباً آخر.
لا تهمل قراءة الشواهد المتفرقة في الكتاب المقدس حول شخصية ما. فبعض الإشارات المختصرة هنا وهناك قد تساعدك على فهم ذلك الشخص بطريقة أفضل. وعليك أن تنتبه لئلا تخلط بين معلومات كتابية ترتبط بشخصين أو أكثر يشتركون في اسم واحد. فمثلاً هناك ست نساء في العهد الجديد يحملن الاسم “مريم” وأربعة رجال “يوحنا” وثلاثة “يعقوب.”
بعد ذلك اقرأ المقاطع الكتابية التي وجدتها، واكتب ملاحظاتك حول حياة ذلك الشخص وعمله ومميزات شخصيته. لاحظ أن حياة بعض الشخصيات مذكورة بالتفصيل، لكن حاول أن تكتشف أكبر قدر ممكن من المعلومات حول خلفيته: ما معنى اسمه؟ ما نَسَبُهُ؟ أين عاش سنوات حياته الأولى؟ ما هي التأثيرات الأساسية التي أحاطت به في فترة شبابه؟ مثلاً تيموتاوس عاش محاطاً بتقوى أمه فائزة وجدته لويسة. حاول أن تنتبه لمن هم أصدقاؤه والمرتبطون به وكيف أثّروا عليه. فعند دراسة داود مثلاً، من المفيد أن ندرس عن صديقه يوناثان أيضاً.
لاحظ الأماكن التي عاش فيها ذلك الشخص وتنقل بينها. حياة موسى -على سبيل المثال- تنقسم من حيث المكان إلى ثلاثة أقسام: أربعون سنة في القصر الملكي في مصر؛ أربعون سنة أخرى كراعٍ في مديان؛ وأربعون سنة أخيرة قاد فيها بني إسرائيل في طريقهم إلى أرض الموعد. كذلك نجد أن بعض رسائل بولس تكتسب معنى جديداً عندما نعلم أنه كتبها في السجن.
كيف تختلف شخصية كتابية عن أُخرى؟ بولس وبطرس ويوحنا، كانوا جميعاً قادةً أقوياء في الكنيسة (جماعة المؤمنين) الأولى. وقد استخدم الله كل واحد منهم بما فيه من مميزات ومواهب لكي يعلن حقه. ويعرف بولس باعتباره رسول الإيمان؛ بطرس رسول الرجاء؛ يوحنا رسول المحبة.
تستطيع أن ترى نقاط قوتهم وكذلك نقاط ضعفهم. كيف أثرت بعض أخطائهم على مستقبل كل واحد منهم؟ كيف تعامل الله مع الشخص الذي اخترته موضوعاً لدراستك؟
لاحظ الأحداث الهامة في حياة الشخص، وكيف تجاوب في أوقات الضيق وفي أوقات الفرح، وما هي التغيرات التي حصلت فيه. اكتشف التأثير الذي ساهم به في عصره وأثر ذلك علينا اليوم.
بعد أن تنتبه لهذه الأشياء كلها، لخص الدروس الرئيسية التي تتعلمها من قصة حياة ذلك الشخص.
ضع قائمة بالحقائق الهامة
اسم الشخص
معنى اسمه
مكان ولادته
أسماء أصدقائه وأقاربه
موقعه التاريخي
مميزات في شخصيته
نقاط ضعفه
نقاط قوته
أحداث هامة في حياته
أعمال هامة قام بها
دروس من حياته
قصة يعقوب
الهدف الثالث: التعبير عن الدروس التي تتعلمها من قصة حياة يعقوب.
قصة حياة يعقوب هي من القصص ذات الأهمية الخاصة التي تفيدنا جداً عند دراستها. كان يعقوب رجلاً لا تخلو حياته من عيوب وأخطاء. كان يحاول أن يحصل على أفضل ما يمكنه من الآخرين إن أمكن. وأخطاؤه هذه مُسجّلة في كلمة الله. كل واحد منا يستطيع أن يرى شيئاً من ذاته في يعقوب! لكن نعمة الله وقوته حوَّلتا يعقوب -رغم ذلك- من مخادع إلى قائد عظيم له علاقة خاصة بالله (انظر روما 10 :9-13). ثم يربط الكتاب بين اختبار يعقوب وبيننا جميعاً: فَالِاخْتِيَارُ إِذَنْ يَعْتَمِدُ عَلَى رَحْمَةِ اللهِ، لَا عَلَى رَغْبَةِ الْإِنْسَانِ أَوْ مَجْهُودِهِ. (روما 9: 16). وبالتأكيد هناك رجاء لكل واحد منا أيضاً، إن سلَّمنا أنفسنا لله القادر على التغيير.
الخطوة الأولى في دراسة شخصية يعقوب هي أن نجد المقاطع الكتابية التي تتحدث عنه. المصدر الرئيسي لقصة حياته هو تكوين 25-50. لكن هناك الكثير من الشواهد الأخرى التي تشير إليه ولو بشكل مختصر، منها متّى 2:1؛ 11:8؛ لوقا 32:1-33؛
يوحنا 5:4-6؛ أعمال 8:7-16، 32؛ روما 11:9-13؛ عبرانيين 9:11، 13، 21.
بعد ذلك اقرأ المراجع الكتابية واكتب ملاحظاتك الخاصة. ولد يعقوب بعد أخيه التوأم عيسو، وكان يقبض بيده على عَقِب أخيه. وهكذا دعي اسمه “يعقوب” الذي يعني في الأصل “مخادع” (تكوين 26:25). أبو يعقوب هو إسحق وأمه رفقة، وجده إبراهيم الذي عُرف بأنه أبو العبرانيين. وكان إبراهيم من نسل سام بن نوح (10:11-26).
عاش يعقوب مع والديه وأخيه عيسو. كان هادئاً ومفضَّلاً عند أمه (27:25-28)، لكنه كان مخادعاً (31:25-34). سرق بكورية أخيه (أي امتيازاته لكونه الابن البكر)، ثم سرق البركة من أخيه أيضاً (33:27-36).
كان على يعقوب أن يهرب بعد ذلك من بيته خوفًا من غضب عيسو، فذهب إلى حاران حيث عاش مع خاله لابان (27: 42-43).
خلال تلك الفترة، خدعه لابان. فعندما أراد الزواج من راحيل، زوّجه لابان ليئة أولاً (23:29). وهكذا اضطر يعقوب للعمل 14 سنة متواصلة لكي يأخذ راحيل و6 سنوات بعد ذلك لكي يكون لنفسه قطيعاً من الغنم (41:31). والأسوأ من ذلك أن لابان غيَّر أجرة يعقوب عشر مرات (7:31).
تقع أحداث قصة يعقوب في أماكن مختلفة. في بئر سبع كان مخادعاً (10:28). في حاران، عمل عند لابان، فكان مخادعاً ومخدوعاً في وقت واحد (25:30-43). وفي حبرون صار صالحاً بعد لقائه مع الله في فنيئيل (تكوين 32: 23-30). وفي آخر أيامه، كان يعيش في مصر ويُعدُّ رجلاً محترماً وحكيماً (3:46-4).
كان يعقوب مخادعاً بطبعه. لكنه، رغم أخطائه، كان قد وجّه قلبه إلى وعود الله (23:25). آمن بقيمة البكورية، التي لم يعرها عيسو اهتماماً (33:25-34). وكذلك كان يدرك قيمة البركة التي سيمنحها أبوه. كان يقدر الأمور الروحية. وبعد الحلم الذي وعده الله فيه بالبركة، أقام حجراً في بيت إيل بحيث يكون بيتاً لله ومكاناً لعبادته، وتعهد هناك أن يعيد إلى الله عشراً من كل ما يعطيه إياه (18:28-22).
مع ذلك كله، عانى يعقوب بسبب أخطائه. ابنته دينة أهينت. أولاده تحوّلوا إلى قتلةٍ مخادعين (34). زوجته التي يحبها راحيل ماتت أثناء الولادة (16:35-20). فقد يوسف ابنه البكر من راحيل (34:37-35). وشعر بالعار الذي اقترفه ابنه الرابع يهوذا (38)، وانفصل عن ابنه الأصغر بنيامين (43).
ويأتي الحدث الرئيسي في حياة يعقوب في فنيئيل حيث تصارع مع الله. كان ذلك بعد عشرين عاماً من عهده الذي قطعه مع الله في بيت إيل. وانتهى صراع يعقوب مع الله وجهاً لوجه، فدعا الله يعقوب “إسرائيل” أي “أمير الله،” وهكذا منحه الله بركة جديدة (24:32-30). وقد سلَّم يعقوب حياته تماماً لله، حتى وسط المشاكل والمآسي (9:47). وأعطى الله يعقوب أن يرى المستقبل، فبارك ولَدَي يوسف (13:48-20)، وأولاده هو أيضاً (49).